الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • المصالح الإيرانية في المنطقة.. هل ينجح "الناتو" العربي؟

المصالح الإيرانية في المنطقة.. هل ينجح
ماهر إسماعيل 

منذ قيام الكيان الصهيوني في العام 1948، وبعد كل اعتداء من احتلالاته للأراضي العربية، كانت الدول الغربية وحكوماتها تسعى إلى مشروع "تسوية" سياسية تعيد جزءاً من الأرض المحتلة، وتقوم بعملية تطبيع (سياسي، اقتصادي، واجتماعي)، ونجحت هذه التسويات مع ثلاث دول عربية (مصر، منظمة التحرير الفلسطينية، والأردن).

وتوقفت عمليات التسوية والتطبيع الظاهر مع الدول العربية، لكن مع إدارة ترامب الجمهورية في البيت الأبيض اختلفت المعايير في التطبيع وأصبحت إقامة علاقات تطبيعية معه مصلحة عربية، مثلما هي مصلحة إسرائيلية، خصيصاً مع تقدم المشروع النووي الإيراني والهيمنة الإيرانية المباشرة على أربعة عواصم عربية، مثلما صرح أكثر من نائب في البرلمان الإيراني "بيروت، بغداد، صنعاء، ودمشق"، والسعي الإيراني الحثيث إلى السيطرة العسكرية في الجنوب السوري على الحدود الأردنية، والتواجد والتماس المباشر مع الحدود المحتلة من قبل إسرائيل، بالإضافة إلى استغلال كل نقطة تواجد إيرانية في الأرض السورية، للقول إن التمدد الإيراني في سوريا يشكل حالة رعب للحكومات الإسرائيلية المتتابعة في تل أبيب.

ومع الغزو الروسي لأوكرانيا، والتواجد الروسي في سوريا، والموقف الغربي من هذا الغزو الذي صعد من المواجهة الغربية عبر العقوبات العامة التي قاطعت كل المنتجات الروسية، ومحاولات المواجهة في سوريا، والموقف الإيراني إلى جانب الغزو الروسي، فتح معركة كبيرة ضد الروس والإيرانيين في سوريا، وبما أن إسرائيل كانت تواجه الوجود الميداني الإيراني في سوريا جوياً، جاءت تصريحات الملك عبد الله الأردني ضد التواجد على الحدود الأردنية في الجنوب السوري، لتشكل نقطة بداية وعلام لتحالف جديد من المنطقة عبر إطلاق ما أصبح يعرف بناتو عربي يجمع الدول العربية الخليجية الست، بالإضافة إلى "مصر، الأردن، والعراق".

هذا الناتو سيكون جزءاً من استراتيجية "التكامل الأمني الإقليمي" الذي كانت تسعى إليه الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقود طويلة من مشروع روجزر في سبعينيات القرن الفائت، وهكذا يصبح مفهوم "التطبيع والتسوية" جزءاً من مفهوم أعم وأشمل هو "التكامل الأمني الإقليمي"، تكون فيه فكرة "التطبيع" مرحلة أولى وذات طابع انتقالي يهدف إلى تأسيس أرضية الشراكة السياسية - الأمنية مع إسرائيل، قياساً إلى الأهداف الكبرى لاستراتيجية "نظام التكامل الأمني الإقليمي"، والتي يصبح فيها "أمن إسرائيل" جزءاً من "الأمن القومي العربي"، فالهدف هو دفع النظام العربي الرسمي إلى الدخول في شراكة سياسية، يتشكل في إطارها "معسكر المعتدلين" لمواجهة معسكر المتطرفين، هو هدف تكتيكي عرضي، لأن المطلوب في نهاية المطاف دمج المنطقة داخل نظام "التكامل الأمني الإقليمي"، وبحيث لم يعد أمن إسرائيل جزءاً من الأمن القومي الأمريكي، وإنما جزءاً من الأمن القومي العربي.

إن الناتو العربي "التحالف الجديد" سيكون أكثر استعداداً لمواجهة ومقاومة الاحتلال الإيراني المتواجد في أكثر من بلد عربي، بشكل مباشر في "العراق وسوريا"، وبشكل غير مباشر، مثلما هو حاصل في لبنان عبر حزب الملالي الإيراني "حزب الله"، وفي اليمن عبر الحوثي، يهمن على أجزاء واسعة منه، وكذلك التهديد المباشر للأردن من خلال الهيمنة والسيطرة على الجنوب السوري المتاخم للأردن، ووضع أجندة خاصة بالعمل الإيراني في الأردن، بحيث تستطيع بعد فترة إجراء تغيرات تعزز من الوجود الإيراني وفق رؤيته لزعزعت الاستقرار في المملكة الأردنية الهاشمية.

بالإضافة إلى ذلك خطر "البرنامج النووي" الإيراني، وهو يقترب أكثر من تصنع "القنبلة النووية"، فالمطلوب إقليمياً ودولياً "وقف وتجميد هذا البرنامج"، لأنه يصعد التسليح النووي في المنطقة، ويدفع الكيان الإسرائيلي إلى تصعيد الاعتداءات الإسرائيلية على الوجود الإيراني في سوريا، وتحين الفرصة الإقليمية والدولية المواتية لتوجيه ضربة عميقة لهذا البرنامج، كما فعلت الحكومات الإسرائيلية مع العديد من الدول العربية، مثل العراق في زمن ديكتاتورية صدام حسين، وكذلك نظام بشار الأسد في مراحل سابقة.

والمطلوب من إيران أيضاً وقف انتشارها المباشر وعبر الأدوات في الدول العربية الأربعة "العراق، سوريا، لبنان، واليمن"، خصيصاً أن تواجدها المباشر في العراق وسوريا يعرقل الحل السياسي التفاوضي، سواء بين العراقيين أنفسهم، وعدم تمكينهم بعد الانتخابات من تشكيل حكومة عراقية جديدة، وكذلك في سوريا يدفع النظام إلى التعنت أكثر فأكثر، وعدم المشاركة الجدية في المسار الدستوري والتفاوضي كما ينبغي.

والأفضل من معالجات التواجد والانتشار هو البدء في انسحاب مدروس ومبرمج يقضي إلى وضع كل بلد من البلدان التي تتدخل فيها، على سكة حل سياسي داخلي يقوم على الحوار بين العراقيين والسوريين واليمنيين، وكذلك الحد من هيمنة حزب الملالي في لبنان.

إن السياسة الإيرانية في الإقليم والمنطقة تقوم على عقيدة مذهبية وقومية ممزوجة بأطماع قومية واضحة، مادتها العضوية التي تظهر بوصفها صراعاً مركباً، فمن جهة صراع مذهبي (شيعي - سني)، ومن جهة أخرى هو صراع (عربي - فارسي) وهما العنصران الرئيسان في صراع بديل بدأ يأخذ مكانه محل الصراع العربي - الإسرائيلي لوقت طويل في المنطقة. الساحتان الرئيستان "العراق وسوريا" بشكل مباشر، وغير مباشر" اليمن ولبنان".

إن دور الإدارة الأمريكية في هذه المرحلة تجميع القوى الإقليمية في المنطقة من بوابة مواجهة الخطر الإيراني الذي يشكل اليد الطويلة للتحالف الروسي الإيراني، لا سيما في سوريا، بينما قوات الغزو الروسي تتحمل العبء الأساسي في أوكرانيا.

هذه المحاولة التي تقوم بها إدارة بايدن لجعل التحالف الجديد واقعاً من خلال القمة التي تعقدها في الرياض بوجود الدول الخليجية الست "السعودية، الإمارات، البحرين، قطر، الكويت، وعمان"، بالإضافة إلى (الأردن، مصر، والعراق)، بحيث يشكل "نواة مصالح متفقة" ضد إيران، وتتخذ موقفاً داعماً للسوق النفطية الدولية بعد قرار "الناتو" مقاطعة النفط والغاز الروسي، وهذا ما يفتح الوجود التعويضي لإسرائيل في سوق الغاز نحو أوربا بالتنسيق مع قطر.

إن كل ما تقوم به الإدارة الديمقراطية الأمريكية في ظل استمرار الحوار والنقاش في قطر مع إيران من أجل البرنامج النووي الإيراني الذي إن نجحت الإدارة في إحيائه يعد خطوة متقدمة في اتجاه فك الحصار عن إيران، والحدّ من الغلو نحو الهيمنة الإيرانية على المنطقة من بوابة التهديدات المباشرة.

على كل، أيام قليلة تفصل بين ما ترغب به الإدارة الأمريكية الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، والمؤتمر في العاصمة السعودية الرياض، وحضور هذا الحشد الرسمي في محاولة تخليق حلف عربي يقوم على مواجهة إيران، بمساعدة تعتمد "التكامل الأمني الإقليمي" بدون الحضور المباشر الإسرائيلي فيه، وإنما تبقى في إطار الداعم العام من خارجه، بحيث تفسح المجال أمام دول عربية أخرى قد تجد فيه الحماية من مخاطر أخرى في الشرق الأوسط، وقد يمتد نحو دول عربية أفريقية أخرى، وقد تشاطره تركيا بدور خاص من داخل حلف (الناتو). فهل تنجح الإدارة الأمريكية الديمقراطية في جعل هذا الحلف جزءاً من المواجهة مع روسيا في غزو أوكرانيا، ومواجهاً لإيران ودورها "القومي الديني" من بوابة المذهب الشيعي؟

ليفانت - ماهر إسماعيل   

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!